قلْ “نعم”

حين أتأمل مكتسباتي في هذه الحياة -باعتباراتي الشخصية البسيطة-، والمحطات التي رسمتْ ملامحها، وكونت الجانب الجيد منّي، أجدها كانت بفتيل اقتراح عُرض علي، فأجبته بـ: ولمَ لا؟، أو مهمة ثقيلة كُلّفت بها بغير اختيار، فاعتبرتها تجربة ونظرت لها كتحدٍ، أو فرصة تزينت لي وتبدّت، ففتحتُ لها أبوابي مرحبة، متجاهلة ما استطعت التوجّس الذي يتوعدني بالداخل. هكذا كانت أقداري بغير تخطيط واضح من جهتي.

وعلى إيماني بفضيلة السعي، وخلق الفرص، وخوض لجج الحياة بسلاح الإصرار والتحدي، إلا أني لا أزعم أني قضيت عمري في الملاحقة والمطاردة والحروب أيًا ما كان نوعها، وليس من طبعي بحكم تكويني الشخصي التحرّق نحو شيء معين، أو تعليق آمالي في اتجاه واحد، ولكن كنتُ -كما الجميع- محاطة بفضل الله وتوفيقه، ثم هو ذلك الباب الصغير الذي أفتحه بهدوء، فإذا به يجرّني إلى أبواب أخرى، أفتحها واحدًا تلو الآخر.

مثل هذا الباب ليس متاحًا دائمًا، أعرف، وكذا الفرص لا تهطل من السماء لامعة براقة في كل حين، ولكنها توجد في لحظة ما، لحظة خاطفة، إما أن تأخذ معها من مرّتْ به، أو تدعه بكل أسف حيث هو.

أؤمن بكلمة “نعم” المحاطة بالشك والتردد، “نعم” التي تشق الطريق، وتوقد الضوء، وتخلق الروح من جديد.

أؤمن بالانفتاح على التجربة، والتصالح مع الخطأ، واعتبار الحياة رحلة لن تقطع كما يجب، ولن تعاش كما يستحق ما لم يتزود المرء فيها بنصيبه المشروع من الصواب والخطأ.

أؤمن بفعالية تهوين الأمور، وتبسيطها، وعدم تحميلها ما لا تحتمل، بل والسخرية في وجهها إذا استدعى الأمر. “السخرية” على وجه التحديد تقطع أحيانًا من أميال الحياة في ساعة ما لا يقطعه الجد والحزم في ساعتين!

يستهويني ويطربني قول القائل: “إن الحذر -على لطفه ويقظته- هو العدوّ اللدود لكل المقاصد الكبرى”، وكلمة تنسب للفيلسوف هيجو الذي لا أعرفه: “إن جميع الفتوح الجليلة هي -كثيراً أو قليلاً- ثواب الجرأة”.

وعلى غرار عناوين الكتب المنشورة: (تعلم قول لا)، في فن التركيز على طريق واحد، وعدم الانسياق خلف كل عرض يأتي من كل أحد، ربما يجدر تأليف أخرى أيضًا بعنوان (تعلم قول نعم)؛ في فن قبول الفرص وعدم إضاعة العمر في التردد والرفض؛ لأن المبالغة في نعم أو لا على حدٍ سواء تضيع الكثير على الإنسان.

أتحدث عن نفسي متأملة في دروبها الصغيرة، التي يمكن بمزيد تأمل أن يلحظها كل أحد في حياته أيضًا، باعتبار كل صغير مثال وفرع عن الأمور الحقيقية الكبرى .. وليست هذه بالطبع هي الوصفة الوحيدة لنيل المكاسب في الحياة، ولكنها بلا شك إحدى الوصفات السحرية، والله الموفق والمعين من قبل ومن بعد.

أضف تعليق